نسمات الفلق مشرفة
عدد المساهمات : 345 تاريخ التسجيل : 13/02/2011
| موضوع: أشتهـــــــــــــــي أقـــــــــــــــرأ............................................ الأحد فبراير 20, 2011 2:34 am | |
| أشتهي أن أقرأ ..
هاهم ضيوف الرحمن في بيت الكبير المتعال ما بين طائفٍ ، وداع ٍ ، ومصلٍ ، وتالٍ ، ومستغفر ، ومتأمل ..
في تلك الأجواء المهيبة تأتي تلك المرأة لتقطع علي لذة المناجاة ، وأنس التلاوة فتقول: ممكن أكلمك ؟
رفعت طرفي إليها وإذ بها قد احدودب ظهرها ، ورق عظمها ، وتجعد جلدها ، وأنا أنظر إليها دارت معركة في ذهني أأسمح لها بسرقة وقتي لأسمع منها قصة الأسى والحزن والفقر والحاجة التي حفظتها لكثرة ماسمعتها من المتسولات ، أو أعطيها ماكتبه الله لها من رزق دون أن أضيع وقتي بسماع حكايتها ، أو أعتذر منها بإحسان وأكمل قراءتي.. قطعت علي تفكيري بصوتها الحزين : يابنتي ممكن أكلمك ؟ استحيّت أن يراني مولاي أرد سائلة في بيته تريد بعض الدقائق من وقتي ، أو بعض الريالات من حقيبتي وأنا بوسعي إعانتها فما أوتيته بحولي ولاقوتي بل هو محض فضله وإحسانه فأخشى إن رددتها أن يردني عن رحمته ، أويطردني من بابه .. وقد أخفى سبحانه مرضاته في طاعته فلعل هذه الطاعة التي أنال بها رضاه ، أو لعل هذه المرأة من أوليائه الذين أخفاهم بين عباده.. فأي شرف في خدمة أوليائه وأحبابه؟!!
إن كان السعي في حاجة المسلم أحب إلى نبينا صلى الله عليه وسلم من الاعتكاف في مسجده الشريف شهرا فكيف إذا كان ذاك المسلم وليا، لله تقيا ؟!!
قلت : تفضلي .
قالت: وهي تثني ركبتها للجلوس أمامي : يابنتي أشتهي أن أقرأ القرآن.
قلت بلسان متعجب : تفضلي اقرأي ماالذي يمنعك ؟!!
قالت: ما أعرف .. يابنتي لي سنوات في دار التحفيظ وإلى الآن ما أستطيع القراءة .. تلعثم لساني وأحمر وجهي خجلا كيف أني أحرجتها بسؤالي الذي كان من المفترض أن أدرك إجابته قبل طرحه ، فأردت تصحيح خطأي فقلت لها : يا أمي مارأيك أن أقرأ عليك وتقرأي بعدي..
سُرتْ وابتهجتْ ، قلت وأنا أفتح مصحفي على الصفحة التي توقفتُ عندها قبل أن يبدأ حواري معها : سأكمل قرآتي من سورة ..
قاطعتني قائلة : لا أنا أريد أن أقرأ من أول المصحف .
قلت وأنا أقلب الصفحات تلبية لمطلبها : هل تحفظي سورة الفاتحة
أجابت أن نعم ، ثم شرعنا في القراءة.
وكانت كلما فتحتُ صفحة تضع إصبعها على كلمة ( الله ) وتقول بسرور بالغ : هذه (الله ) فرحا واستبشارا أنها تجيد قرائتها..
ولم تكن تتقن قراءة غيرها .
طال المقام ، وكثرت اتصالات أهلي قلقا على تأخري ، استأذنتها وأنا أبشرها بقرب اليوم الذي ستقرأ فيه كلام الله .
فقالت وهي تودعني : يابنتي ما أحد يشعر بمآساتي إلا من يعاني معاناتي ، أنتم متى ما أردتم فتحتم كتاب ربي وقرأتم من أي مكان وفي أي سورة ، أما أنا فأنتظر أبنائي حتى يعودوا من عملهم ليرتاحوا ثم يخرجوا مرة أخرى لحوائجهم فإن بقي معهم متسعا في الليل ساعدوني بقراءة بعض الأسطر مع الحرج الذي يصيبني لأني أكلف عليهم .. يابنتي إذا ضاق صدري وعلاني الهم وأردت أن أسلي نفسي بكلام ربي افتح المسجل على أحد القراء فإذا جاوز الآية التي هي بلسم لجرحي علاني هم على هم لأني إذا أعدت الشريط لا أدري هل سيأتي بها القارئ أم أنه سيتقدم كثيرا وتذهب تلك الآية التي آنستني ، أما أنتم فتكررون ماتشاؤون ، وتقرؤون ما تريدون في الوقت الذي تريدون ، بالقدر الذي تريدون .. هنيئا لكم ..
ودعتها وأنا أكفكف دموع الغفلة عن تلك النعمة التي لم أدركها إلا تيك الساعة ، لأني فتحت عيني في بيئة قُرّاء فلم أستشعر يوما قدرها ولا وزنها ، ولا مغبة حرمانها .. ودعتها وأنا أنفض غبار الظن عن قلبي بأني المتفضلة عليها بدقائق معدودة من عمري ، بل هل المحسنة إليّ حين أيقظتني من سباتي .. ودعتها وأنا أجلد ذاتي بسياط اللوم والتقريع على يوم مضى لم تنظر عيناي فيهما لكتاب ربي .. ودعتها وأنا أدعو مولاي أن يعينني على استخدام نعمة القراءة فيما يقربني منه ويدنيني عنده.. ودعتها والإجلال يسري في دمي للنبي الأمّيِّ أحمـد الذي
أنار بـ ( اقرأ) دجى الظلمـةِ هدىً ونورا وللمعالي نرتقي
ودعتها وأنا أقرأ لأول مرة بقلبي ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]
فيا من علمني مالم أعلم زدني وكل من يقرأ هذا القصة علما ، به عملا وتبليغا لوجهك خالصا ، وأكرمنا بقراءة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا آناء الليل وأطراف النهار ، واجعلنا ممن يقيم حروفه وحدوده ، لاممن يقيم حروفه ويضيع حدوده ..
واكشف الغمة عن أمة من ابتدأه الوحي ب (اقرأ ) ، ووحد صفوفهم ، واجمع كلمتهم ، واحقن دمائهم ، وأبدل ذلهم عزا ، وخوفهم أمنا ، وإهانتهم كرامة ، وفرّج همهم ، ونفس كربهم ، واقض دينهم ، واعف شبابهم ،واشف مرضاهم ، وأصلح مناهج تعليمهم وإعلامهم ، واجعل قرائتهم وكتابتهم في ما يرضيك عنهم ويدنيهم عندك ..
فلله الحمد على نعمة القراءة ، وجزى الله عني تلك المرأة خيرا ونولها مناها ومبتغاها .. نقلا عن إحدى الأخوات غفر الله لها ولوالديها ولجميع القارئات ... | |
|